Salam alaikoum
"إسلام أون لاين"يحاور زعيم حركة النهضة التونسية
الغنوشي: لماذا يتخوّف الإسلاميون من الحكم وكأنّه مصيبة؟
علي بوراوي
إسلام أون لاين - تونس
دعا المفكر الإسلامي ورئيس حركة النّهضة الشيخ راشد الغنوشي الحركات الإسلامية إلى أن تتحمّل مسؤوليتها وتقود شعوبها، وألاّ تخشى من الحكم، وأن تتهيّأ إلى الانتقال من مرحلة الدّعوة إلى مرحلة الدولة، وأن تقدّم بركات الإسلام، وتجسّد عدل الإسلام في الحكم.
واعتبر رئيس حركة النّهضة التونسية، أنّ المبالغة في التخوف من الغرب نوع من الشرك، ودعا إلى التخلّي عن فكرة "ما يريد الغرب هو الذي يكون" وقال إنّ ما يريد الله، ثم ما تريد شعوبنا هو الذي يكون، مستشهدا بسقوط كلّ من نظامي بن علي في تونس، وحسني مبارك في مصر، رغم ما كانا يمثّلانه في الإستراتيجية الغربية، وما كانا يلقيانه من دعم خارجي.
وتحدّث الشيخ راشد الغنوشي عن الوضع في تونس، ومخاوفه على الثورة، ورؤيته لأولويات حركة النّهضة، والحركة الإسلامية عموما في هذه المرحلة، وقال إنّ أولوية النهضة الآن وطنية وليست حزبية، تتمثّل في انتخاب مجلس تأسيسي وإقامة حكومة ائتلافية منتخبة، ومشروع تنموي يشرّف البلاد.
كما تحدّث عن التيار السلفي في تونس، وقال إنّ شبابه أبناؤنا، وجدوا فراغا دينيا في تونس، وغيابا للمرجعيات الإسلامية في البلاد، بفعل قوّة قاهرة غيّبت حركة النّهضة، فتأثّر تديّنهم بأجواء تجريم التديّن، مؤكدا أن الإسلام أكبر من أن يستوعبه حزب.
وحمل الشيخ راشد على العلمانيين الذين يحاربون الإسلام في تونس، وقال إنهم يخشون الديمقراطية والانتخابات، لأنها تكشف حقيقتهم. وعبّر عن خشيته من أن تدفع تونس ثمنا باهظا لتحقيق أهداف ثورتها "لأن هناك قوى مستعدّة لأن تحرق البلاد من أجل أن تحافظ على مواقع نفوذها". لكنه أكّد أنّ الثورة ستبلغ مداها وتحقّق غايتها لا محالة.
نص الحوار
- قلت في بعض خطبك "ما أجمل تونس بدون بن علي" فهل ما زالت تونس جميلة؟
-بدون شك تبقى تونس جميلة ما بقيت راية الحرية فيها مرفوعة، وما دام الشعب التونسي قد فكّ قيود الدكتاتورية، وفكّ عن رقبته شبكتها، وهو اليوم يمارس اليوم حريته، وينزل إلى الشّارع متى شاء، ويطرد أي مسؤول لا يريده، سواء كان واليا أو وزيرا. فتونس الآن في أشدّ حالات وعيها بالحرية، واستعدادها للنضال من أجلها، والتصدي لأعدائها.
الاستبداد عدو النهضة
- كيف ترى واقع الإسلاميين في تونس الحرية؟ وما هي أهم التحديات التي تواجههم؟
- إذا كانت قيمة الحرية تمثل معنى وجوديا بالنسبة للمسلم، وشرطا في كونه مسلما، إذ إنّ الحرية كالعقل، شرط في الإسلام، فلا إسلام للمكره ولا إسلام للمجنون. الحرية طريق ضروري للإسلام. فالإسلاميّ لا يمكن إلاّ أن يكون سعيدا بالحرية، ولا يمكن إلاّ أن يكون عاملا مجاهدا من أجل إقامتها ومن أجل حمايتها ومن أجل استعادتها إذا فقدت.
والحرية مقصد عظيم من مقاصد شريعتنا، ولا يمكن للمسلم أن يتم له الإسلام بدون حرية، ولا يمكن للإسلام أن يزدهر بدون حرية. لذلك فالحرية معنى يشرح الإسلام. الإسلام حرية، والاستبداد والدكتاتورية أعداء الإسلام ونقيضه. وقد ظلّ الرسول عليه الصّلاة والسلام يدعو الناس في مكة المكرّمة إلى الإسلام، ولمّا رفضوا دعاهم إلى خيار آخر، أن يخلّوا بينه وبين النّاس، وأن يجعلوا من مكّة فضاء حرّا، يتمتّع فيه الجميع بالحق في اختيار ما يريد من عقائد وأفكار وممارستها، ولكنّ قومه رفضوا.
ولم يكن صدفة أن الله سبحانه اختار من بلاد العالم بلاد الحجاز لتكون منطلقا للإسلام، رغم ما فيها من مفاسد ووثنيات ومنكرات. ولكن بلاد الحجاز كانت خالية من الاستبداد. لم تكن فيها دولة قاهرة. الإسلام نشأ حرّا في أرض حرّة، وظلّ يزدهر أبدا بقدر ما يتوفّر له من حرية، وينكمش ويذوى بقدر ما ينتشر من استبداد.
المشروع الإسلامي في تونس أوقفه الاستبداد سنة 1991، بقوّة قاهرة، بعد أن أثبتت الحركة الإسلامية أنّ الشعب ملتفّ حولها في انتخابات سنة 1989، وأعطاها ولاء عارما فاق كلّ توقّع. فتدخّلت قوّة رهيبة مدعومة بنظام دولي، لإيقاف تحوّل الشعب التونسي من حزب الدستور إلى النّهضة، وظلّ ذلك المدّ منحسرا بذلك السّدّ، وعاشت البلاد أسوأ مرحلة في تاريخها، وسجن أكثر من ثلاثين ألفا من أبناء الحركة الإسلامية، مئات منهم بين جريح وقتيل ومشرّد، وتوقّفت السياسة حتى قال الناس ماتت السياسة في تونس، ومات الفنّ، وقدّم ذلك على أنّه الثمن الضروري للازدهار الاقتصادي، ولكن تبيّن في النهاية أنه في غياب الحرية، لا فكر ولا ثقافة ولا تنمية، ولذلك قامت الثورة على الاستبداد.
وبمجرّد ما سقط هذا السّدّ، حتى عادت المياه إلى مجاريها وعاد الشعب التونسي يعبّر عمّا كتمه طويلا أو اضطر إلى أن يتوارى به في القلوب. أفصح الشعب التونسي عمّا في قلبه من محبّة لهذا الدين ولأهله، واليوم لا أحد يشكّ أن الحركة الإسلامية هي القوة الأساسية التي لا منافس حقيقيّ لها في الساحة. وما ذلك إلاّ بفضل الله، ثم بفضل الحرية التي انتزعها شباب تونس بدمائه الزكية، وانطلقت القوى الإسلامية حرة طليقة ترمّم بناءها وتضمّد جراحاتها وتستعيد مواقعها.
A suivre