حكومة الخضراء هل يمكنها تعكير "الماء الأسود"؟
!
اجتهدت حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي في إظهار غضبها من جريمة "حي النسور" التي اقترفها مرتزقة بلاك ووتر, وتوعدت بسحب الترخيص منها وتقنين عمل بقية الشركات, ثم تراجعت عن سحب الترخيص، وتعهّد المالكي فقط بتحقيق مشترك من الجانبين الأمريكي والعراقي في الحادث.
وبعيدًا عن محاولة المالكي استغلال الحدث إعلاميًا، فإن قدرته الحقيقة على سحب الترخيص والتحقيق في الحادث لا تتجاوز الرقم "صفر" في رأينا؛ وذلك لعدة أسباب منها:
1ـ حكومة المالكي لا تمتلك أي سند قانوني يخوّلها سحب الترخيص من الشركات الأمنية الخاصة، ومنها بلاك ووتر, كما لا تستطيع قانونًا محاكمة عناصرها؛ لأنها تُعتبر جزءًا من القوات الأمريكية، وفقًا للعقود المبرمة معها والمرسوم الذي أصدره بريمر، والذي ينص على أن القوات الأمريكية والمتعددة الجنسيات ورعايا هذه الدول المقيمين في العراق والشركات الأمنية الخاصة معفون من أية مساءلة قانونية أمام المحاكم العراقية، ولا يشملهم القانون العراقي.
2ـ "بلاك ووتر" تحمي المنطقة الخضراء التي بها مقر حكومة المالكي. وغالب المؤسسات الهامة في البلد إنما تقع تحت الغطاء الأمني لهذه الشركة, والشخصيات السياسية كذلك تلجأ إلى هذه الشركة لحمايتها, فضلاً عن تأمين الزيارات الهامة للبلاد, ومنها زيارات الإدارة الأمريكية, ومن ثَم فالشركة بالنسبة لحكومة المالكي وبالنسبة للولايات المتحدة محورية في حفظ الأمن.
3ـ لا يوجد أي بديل متاح حتى هذه اللحظة يمكن أن يؤدي الأدوار التي تقوم بها بلاك ووتر في العراق خدمة للمحتل وحفظًا لأمن حكومة المالكي، بما فيها قوات الجيش والشرطة التي تفشل في حفظ أمن أماكنها وشخصياتها القيادية، وتتعرض لأعمال مسلحة تستنزفها دون القدرة على مواجهتها.
4ـ هذه الشركة ترتبط بصلات أيديولوجية وشخصية نافذة في الإدارة الأمريكية ستحول دون التعرض لها أو وقف أنشطتها بالعراق؛ فقد رفض الرئيس الأمريكي جورج بوش توجيه أية انتقادات للشركة, مكتفيًا بالقول إنه سيبحث القضية مع المالكي، خلال لقائهما على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة الأسبوع المقبل.
وربما الاتصال الذي أجرته وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس مع المالكي، والذي على إثره غير موقفه من سحب الترخص إلى التحقيق في الواقعة يوحي بمدى نفوذ هذه الشركة في الإدارة الأمريكية.
إن حكومة المالكي الخضراء لا تقوى في رأينا على تعكير حياة بلاك ووتر "الماء الأسود" في العراق؛ لأنها تعرف بالتأكيد عواقب هذا الفعل، وما قد يجره عليها من متاعب قد تكلّف المالكي حياته أو منصبه على أقل تقدير.